عجبا لأمر المؤمن

Jumuah, 19 Rajab 1444 AH
10/02/2023
+ -

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يُثِيبُ الشَّاكِرِينَ، وَيَجْزِي الصَّابِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)([1]).


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ: إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»([2]). فَلَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أَنْ يَتَقَلَّبَ الْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؛ بَيْنَ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ، وَسَرَّاءَ وَضَرَّاءَ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (‌وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)([3])، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بِقَدَرِ رَبِّهِ وَقَضَائِهِ، الْمُوقِنَ بِحِكْمَتِهِ فِي مَنْعِهِ وَعَطَائِهِ؛ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ سُبْحَانَهُ: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)([4]) فَهُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، يَعْلَمُ مَا فِيهِ الْخَيْرُ لِعِبَادِهِ، وَالْمَصْلَحَةُ لِخَلْقِهِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَ: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)([5]).

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ شَكَرَ رَبَّهُ وَحَمِدَهُ؛ بِقَلْبِهِ وَقَوْلِهِ، وَسُلُوكِهِ وَعَمَلِهِ، اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ رَازِقِهِ: (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)([6]). فَيَسْتَعِينُ بِنِعَمِهِ تَعَالَى عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ، فَيُسَانِدُ الضُّعَفَاءَ، وَيُسَاعِدُ الْمُحْتَاجِينَ وَالْفُقَرَاءَ، فَيَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عَوْنِهِ؛ يُيَسِّرُ لَهُ أَمْرَهُ، وَيَحْفَظُ عَلَيْهِ نِعَمَهُ، قَالَ تَعَالَى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)([7])، فَهَنِيئًا لِلشَّاكِرِينَ ثَوَابُهُمْ وَجَزَاؤُهُمْ، الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)([8]). فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَلِنِعَمِكَ مِنَ الذَّاكِرِينَ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)([9]). أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يُضَاعِفُ الْحَسَنَاتِ لِلشَّاكِرِينَ وَالصَّابِرِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَيُّهَا الشَّاكِرُونَ الصَّابِرُونَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَتْهُ شِدَّةٌ أَوْ ضَرَّاءُ، أَوْ وَاجَهَهُ عَنَاءٌ أَوْ بَلَاءٌ، قَابَلَ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَرَضِيَ بِمَا قَدَّرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، مُوقِنًا أَنَّ «مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ»([10]). فَيَكُونُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُ فِي شِدَّتِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)([11])؛ يَلْطُفُ بِهِمْ فِي مُصَابِهِمْ، وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ مَا أَلَمَّ بِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «اعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا»([12]). وَيَجْزِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ الصَّابِرِينَ أَجْرًا عَظِيمًا، وَثَوَابًا كَرِيمًا، بِلَا عَدٍّ وَلَا حَدٍّ، قَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب)([13]). فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نُرَبِّيَ بَنَاتِنَا وَأَبْنَاءَنَا عَلَى قِيَمِ الشُّكْرِ فِي السَّرَّاءِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الضَّرَّاءِ؛ عَمَلًا بِتَعَالِيمِ دِينِنَا، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي عَلَيْهَا نَشَأْنَا.

هَذَا وصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، كَمَا أَمَرَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([14]).

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ لِدَوْلَةِ الْإِمَارَاتِ أَمَانَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَأَدِمْ رَخَاءَهَا وَازْدِهَارَهَا، وَبَارِكْ فِي خَيْرَاتِهَا، وَاحْرُسْهَا بِرِعَايَتِكَ، وَاشْمَلْهَا بِعِنَايَتِكَ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ الشَّيْخ مُحَمَّدَ بْنَ زَايِدٍ وَنَائِبَهُ الشَّيخ محمد بن ‏راشد وإخوانه حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَأَوْلِيَاءَ ‏عُهُوْدِهِم، وَوَلِيَّ عَهْدِ دبي الشَّيخ حمدان بن محمد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ.

اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيخ زَايِد والشَّيخ راشد، وَالْقَادَةَ الْمُؤَسِّسِينَ، وَالشَّيخ مَكْتُوم، والشَّيخ خَلِيفَة بْن زَايِد، والشَّيخ حمدان ‏وَشُيُوخَ الْإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وأدخلهم بفضلك فسيح ‏جناتك.  وَارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وَضَاعِفْ أَجْرَهُمْ، وَارْفَعْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَتَهُمْ، وَشَفِّعْهُمْ فِي أَهْلِهِمْ. اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ: الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتَ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ

الْعَالَمِينَ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.



تنبيه

حَمْلَة (جُسُورُ الْخَيْرِ)‏

يُلْقَى عَقِبَ صَلَاةِ الْجُمُعَة بتاريخ 10/02/2023

 

عِبَادَ اللَّهِ: تَنْفِيذًا ‏لِتَوْجِيهَاتِ الْقِيَادَةِ الرَّشِيدَةِ؛ تُعْلِنُ هَيْئَةُ ‏الْهِلَالِ الْأَحْمَرِ بِالتَّعَاوُنِ مَعَ مُؤَسَّسَاتِ الدَّوْلَةِ عَنِ ‏انْطِلَاقِ حَمْلَةِ ‏‏(جُسُورُ الْخَيْرِ) اعْتِبَارًا مِنَ الْيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُخَصَّصَةِ ‏لِمُسَاعَدَةِ الْمَنْكُوبِينَ وَالْمُتَضَرِّرِينَ مِنَ الزِّلْزَالِ فِي سُورْيَا وَتُرْكِيَا ‏وَنُهِيبُ بِالْجَمِيعِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي هَذِهِ الْحَمْلَةِ الْمُبَارَكَةِ؛ سَائِلِينَ اللَّهَ ‏سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَتَغَمَّدَ بِوَاسِعِ رَحْمَتِهِ الْمَوْتَى، وَأَنْ يَكْتُبَ ‏الشِّفَاءَ الْعَاجِلَ لِلْجَرْحَى. وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا ‏مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.‏


([1]) آل عمران: 200.

([2]) مسلم: 5318.

([3]) الأنبياء: 35.

([4]) النساء: 78.

([5]) البقرة: 216.

([6]) النحل :114.

([7]) البقرة: 245.

([8]) آل عمران: 145.

([9]) النساء: 59.

([10]) الترمذي: 2070.

([11]) الأنفال: 46 .

([12]) أحمد: 2857.

([13]) الزمر: 10.

([14]) الأحزاب: 56.

([15]) البقرة: 215.

([16]) سنن الترمذي: 807.

تحميل
مقياس السعادة