أخلاق الصائم
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الْمَنَّانِ، أَكْرَمَنَا بِشَهْرِ رَمَضَانَ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَلَائِكَتِكَ، وَكُتُبِكَ وَرُسُلِكَ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ)([1]). وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، رَضِينَا بِكَ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَخَاتَمُ رُسُلِكَ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)([2]).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: نَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ بَلَّغَنَا هَذَا الشَّهْرَ الْمُبَارَكَ، الَّذِي يَسْتَزِيدُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ، وَأَعْظَمُهَا الصِّيَامُ، الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ لِلرُّوحِ وَالْجَسَدِ، فَالْجَسَدُ يُمْسِكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ، وَالرُّوحُ تَتَجَمَّلُ بِحَمِيدِ الصِّفَاتِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الصِّيامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ»([3]) .
تِلْكَ هِيَ حَقِيقَةُ الصِّيَامِ، فَالصَّائِمُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَائِرِ الْمُفْطِرَاتِ؛ مُسْتَشْعِرًا قِيمَةَ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، وَعَظَمَةَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، فَيُرَاعِي حُرْمَتَهَا، وَيُقَدِّرُهَا حَقَّ قَدْرِهَا، فَيَكُفُّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ عَمَّا يُفْسِدُ صَوْمَهُ، وَيَكُونُ لَطِيفًا فِي مُعَامَلَاتِهِ، حَلِيمًا فِي تَصَرُّفَاتِهِ، طَيِّبًا فِي كَلَامِهِ، دَاخِلَ بَيْتِهِ وَخَارِجَهُ؛ فِي عَمَلِهِ وَوَظِيفَتِهِ، وَذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَأَثْنَاءَ قِيَادَتِهِ لِسَيَّارَتِهِ، قَالَ جَابِرُبْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً([4]). فَاللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)([5]).
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْكَرِيمِ، وَعَدَ الصَّائِمِينَ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَخْلَاقِ الصَّائِمِ الْمُحَافَظَةَ عَلَى النِّعْمَةِ، وَعَدَمَ هَدْرِهَا وَالْإِسْرَافِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)([6])، وَلْيَجْعَلِ الصَّائِمُ لِجِيرَانِهِ وَلِلْمَسَاكِينِ نَصِيبًا مِنْ طَعَامِهِ، لِيَنَالَ أَجْرَ إِكْرَامِ الْجَارِ، وَثَوَابَ إِفْطَارِ الصَّائِمِ، الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: بِقَوْلِهِ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا؛ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»([7]). فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصِّيامِ وَالْإِطْعَامِ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجنَّةِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا». فَقَالَ رَجُلٌ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ...»([8]). هَذَا وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ لِدَوْلَةِ الْإِمَارَاتِ أَمَانَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَأَدِمْ رَخَاءَهَا وَازْدِهَارَهَا، وَبَارِكْ فِي خَيْرَاتِهَا، وَاحْرُسْهَا بِرِعَايَتِكَ، وَاشْمَلْهَا بِعِنَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ الشَّيْخ مُحَمَّدَ بْنَ زَايِدٍ وَنَائِبَهُ الشَّيخ محمد بن راشد وإخوانه حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَأَوْلِيَاءَ عُهُوْدِهِم، وَوَلِيَّ عَهْدِ دبي الشَّيخ حمدان بن محمد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ.
اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيخ زَايِد والشَّيخ راشد، وَالْقَادَةَ الْمُؤَسِّسِينَ، وَالشَّيخ مَكْتُوم، والشَّيخ خَلِيفَة بْن زَايِد، والشَّيخ حمدان وَشُيُوخَ الْإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وأدخلهم بفضلك فسيح جناتك. وَارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وَضَاعِفْ أَجْرَهُمْ، وَارْفَعْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَتَهُمْ، وَشَفِّعْهُمْ فِي أَهْلِهِمْ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ مِنَ السَّابِقِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا أَجْمَعِينَ، وَأَعِنَّا فِيهِ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَاكْتُبْنَا فِيهِ مِنَ الْمَرْحُومِينَ، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنَ الْمَقْبُولِينَ، وَبَلِّغْنَا بِفَضْلِكَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّاتِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.
تنبيه
ظواهر سلبية تكثر في رمضان -الألعاب النارية، التسول
يُلقى عقب صلاة الجمعة 24/ 3/ 2023م
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أَيُّها الأحبة المصلون: ينبغي علينا أن ننتبه على أولادنا، وأن نُحذّرهم من خطورة الألعاب النارية؛ لِما فيها من ترويع النّاس وإيذائهم، والأضرار المتوقعة مِن ورائها على اللاعب بها وغيره، ولِما فيها من إضاعة المال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « المسلم من سَلِم المسلمون مِن لسانه ويده، والمؤمن مِن أَمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم »([9]) وكم مِن إصابات بليغة وقعت على بعض الأطفال بسبب التساهل في شأن الألعاب النارية.
كما ينبغي علينا أن لا نشجع المتسوّلين في المساجد والأماكن العامة؛ لكثرة النصب والاحتيال بهذه الطريقة من غير المستحقين للزكاة، بل نحرص على بذل الأموال لمستحقيها مِمَّن نعرفه، ويكون مِن الفئات المستحقة للزكاة. ومِن أبواب الخير التعاون والاستفادة مِن الجمعيّات الخيرية في إيصال الزكاة والصدقات لمستحقيها.
بارك الله لنا ولكم في الصيام والقيام وصالح الأعمال، والحمد لله رب العالمين.
([1]) آل عمران: 193.
([2]) البقرة: 183.
([3]) صحيح ابن خزيمةَ: 3/242.
([4]) شعب الإيمان للبيهقي: 3646.
([5]) النساء: 59.
([6]) الأعراف: 31.
([7]) الترمذي : 807 .
([8]) الترمذي : 1984.
([9]) رواه الترمذي وقال حسن صحيح