أخلاق الأنبياء عليهم السلام
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَعَثَ أَنْبِيَاءَهُ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ، وَالْخُلُقِ الْعَظِيمِ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَلَائِكَتِكَ، وَكُتُبِكَ وَرُسُلِكَ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، رَضِينَا بِكَ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَخَاتَمُ رُسُلِكَ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)([1]).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَاصْطَفَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ)([2]) فَكَانُوا عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَصْحَابَ أَخْلَاقٍ جَلِيلَةٍ، وَخِصَالٍ حَمِيدَةٍ، فَهَذَا خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ حَلِيمًا فِي تَعَامُلِهِ، حَكِيمًا فِي دَعْوَةِ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ، فأَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)([3])، وَوَصَفَهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالصِّدْقِ فَقَالَ: (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)([4])،فَالصِّدْقُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الَّتِي امْتَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا أَنْبِيَاءَهُ.
قَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ سَيِّدِنَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ)([5]). وَلَقَدْ تَخَلَّقَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ بِخُلُقِ الصَّبْرِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي مَدْحِهِمْ: (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ)([6])، فَكَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ صَبْرًا عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَإِيصَالِ رِسَالَتِهِ إِلَى أَقْوَامِهِمْ، وَأَكْثَرَهُمْ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ، وَتَحَدُّثًا بِأَفْضَالِهِ وَمِنَنِهِ، قَالَ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)([7]). وَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ بَارِّينَ بِوَالِدِيهِمْ، مُحْسِنِينَ إِلَيْهِمْ، قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْ سَيِّدِنَا يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَكَانَ تَقِيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ)([8])، وَقَالَ عَلَى لِسَانِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)([9]). وَلِعُلُوِّ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَمَالِ أَوْصَافِهِمْ؛ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)([10]) فَاسْتَجَابَ صلى الله عليه وسلم لِأَمْرِ رَبِّهِ، فَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا، وَأَرْحَبَهُمْ صَدْرًا، وَأَصْدَقَهُمْ قَوْلًا، وَأَوْفَاهُمْ عَهْدًا، وَأَلْيَنَهُمْ مُعَامَلَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً([11])، حَتَّى وَصَفَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)([12]). فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا بِأَنْبِيَائِكَ مُصَدِّقِينَ، وَبِقِيَمِهِمْ مُتَخَلِّقِينَ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِكَ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَثَّ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، وَوَعَدَ أَصْحَابَهَا بِمُرَافَقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَّةِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَائِلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَرِسَالَاتُهُمْ مُتَكَامِلَةٌ، يُصَدِّقُ بَعْضُهُم بَعْضًا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ: أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ»([13]). أَيْ: أَصْلُ إِيمَانِهِمْ وَاحِدٌ، وَشَرَائِعُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ([14]). وَلَقَدْ تَعَامَلَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَعَ أَقْوَامِهِمْ عَلَى أَسَاسِ الْأُخُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ: شَفَقَةً وَرَحْمَةً، وَتَسَامُحًا وَمَحَبَّةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمِهِ: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ)([15])، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا)([16])، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا)([17]). وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا)([18]). فَالْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قُدْوَةٌ فِي أُخُوَّتِهِمْ وَتَعَاوُنِهِمْ، وَصَبْرِهِمْ وَشُكْرِهِمْ، وَحِكْمَتِهِمْ وَصِدْقِهِمْ، وَجَمِيلِ أَخْلَاقِهِمْ وَقِيَمِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)([19]).
هَذَا، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ لِدَوْلَةِ الْإِمَارَاتِ أَمَانَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَأَدِمْ رَخَاءَهَا وَازْدِهَارَهَا، وَبَارِكْ فِي خَيْرَاتِهَا، وَاحْرُسْهَا بِرِعَايَتِكَ، وَاشْمَلْهَا بِعِنَايَتِكَ، وَسَائِرِ بِلَادِ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ الشَّيْخ مُحَمَّدَ بْنَ زَايِدٍ وَنَائِبَهُ الشَّيخ محمد بن راشد وإخوانه حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَأَوْلِيَاءَ عُهُوْدِهِم، وَوَلِيَّ عَهْدِ دبي الشَّيخ حمدان بن محمد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ.
اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيخ زَايِد والشَّيخ راشد، وَالْقَادَةَ الْمُؤَسِّسِينَ، وَالشَّيخ مَكْتُوم، والشَّيخ خَلِيفَة بْن زَايِد، والشَّيخ حمدان وَشُيُوخَ الْإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وأدخلهم بفضلك فسيح جناتك. وَارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وَضَاعِفْ أَجْرَهُمْ، وَارْفَعْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَتَهُمْ، وَشَفِّعْهُمْ فِي أَهْلِهِمْ.
اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ: الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتَ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.
([1]) آل عمران: 179.
([2]) آل عمران: 33-34.
([3]) هود: 75.
([4]) مريم: 41.
([5]) مريم: 54.
([6]) الأنبياء: 85.
([7]) الإسراء: 3.
([8]) مريم: 13-14.
([9]) مريم: 32.
([10]) الأنعام: 90.
([11]) سيرة ابن هشام: 2/35.
([12]) القلم: 4.
([13]) متفق عليه واللفظ لمسلم. الْعَلَّات بِفَتْحِ الْعَيْن وَتَشْدِيد اللَّام هُمْ الْإِخْوَة لِأَبٍ مِنْ أُمَّهَات شَتَّى.
([14]) شرح النووي على مسلم (8/90).
([15]) الشعراء: 106.
([16]) الأعراف: 65.
([17]) الأعراف: 73.
([18]) الأعراف: 85.
([19]) الممتحنة :6.