سلامة القلب والعقل
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي النِّعَمِ الْمُتَتَالِيَةِ، مَنَّ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ السَّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَلَائِكَتِكَ، وَكُتُبِكَ وَرُسُلِكَ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، رَضِينَا بِكَ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ)([1]).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «اسْأَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ»([2]). وَالْعَافِيَةُ تَعْنِي السَّلَامَةَ الشَّامِلَةَ، فِي الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ وَالْجِسْمِ. فَسَلَامَةُ الْقَلْبِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، إِذْ هُوَ مَحِلُّ الْإِيمَانِ وَالْهُدَى، وَالنُّورِ وَالتُّقَى. وَصَاحِبُ الْقَلْبِ السَّلِيمِ؛ أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِيَن، فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ». قَالُوا: فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ»([3]).
لِذَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا»([4]). وَبِقَدْرِ سَلَامَةِ قَلْبِ الْمَرْءِ تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ نَجَاتُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)([5]).
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْعَافِيَةِ: عَافِيَةَ الْعَقْلِ وَسَلَامَتَهُ، فَبِالْعَقْلِ السَّلِيمِ يَتَفَكَّرُ الْمَرْءُ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَيُؤْمِنُ بِرَبِّهِ، وَيَهْتَدِي إِلَى مَا يُصْلِحُ شُؤُونَ حَيَاتِهِ، وَيُحَقِّقُ لَهُ النَّفْعَ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ. قَالَ الشَّاعِرُ([6]):
إِذَا أَكْمَلَ الرَّحْمَنُ لِلْمَرْءِ عَقْلَهُ ** فَقَدْ كَمُلَتْ أَخْلَاقُهُ وَمَآرِبُهُ
فَالْإِنْسَانُ يُحَافِظُ عَلَى سَلَامَةِ عَقْلِهِ، وَيُنَمِّيهِ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَالْمَعَارِفِ الْمُفِيدَةِ، وَيَصُونُهُ عَنْ كُلِّ مَا يَضُرُّهُ؛ فَيَحْرِصُ عَلَى السَّلَامَةِ الرَّقْمِيَّةِ، وَيَحْذَرُ مِنَ السُّمُومِ الْفِكْرِيَّةِ، والصَّدَاقَاتِ الِافْتِرَاضِيَّةِ، وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ، الَّتِي تَتَسَبَّبُ فِي خُمُولِ الدِّمَاغِ وَضَعْفِ الذَّاكِرَةِ، وَرُبَّمَا تُصِيبُ الْأَطْفَالَ بِالتَّوَحُّدِ وَالْعُزْلَةِ، وَتُضْعِفُ التَّحْصِيلَ الْعِلْمِيَّ وَالتَّوَاصُلَ الْمُجْتَمَعِيَّ. فَاللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَيْنَا سَلَامَةَ قُلُوبِنَا وَعُقُولِنَا، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ، رَغَّبَنَا فِي الْحِفَاظِ عَلَى الْقُلُوبِ وَالْعُقُولِ وَالْأَبْدَانِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ سَّلَامَةَ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ؛ تَكْتَمِلُ بعَافِيَةِ الْإِنْسَانِ فِي بَدَنِهِ، لِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى قَائِلًا: «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي»([7]). فَعَافِيَةُ الْبَدَنِ وَسَلَامَتُهُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ، الَّتِي تَمْنَحُ الْإِنْسَانَ قُوَّتَهُ، فَيَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ، وَحِفْظِ وَطَنِهِ، وتَحْصِيلِ رِزْقِهِ. وَعَافِيَةُ الْإِنْسَانِ فِي بَدَنِهِ؛ تَقْتَضِي الِاهْتِمَامَ باِلنَّشَاطَاتِ الرِّيَاضِيَّةِ، الَّتِي تَزِيدُ مِنْ قُوَّتِهِ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّة،ِ وَتُنَمِّي قُدُرَاتِهِ الْفِكْرِيَّةَ وَالْعَقْلِيَّةَ، فَالْعَقْلُ السَّلِيمُ فِي الْجِسْمِ السَّلِيمِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، كَمَا أَمَرَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([8]). اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ. اللَّهُمَّ احْفَظْ لِدَوْلَةِ الْإِمَارَاتِ أَمَانَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَأَدِمْ رَخَاءَهَا وَازْدِهَارَهَا، وَبَارِكْ فِي خَيْرَاتِهَا، وَاحْرُسْهَا بِرِعَايَتِكَ، وَاشْمَلْهَا بِعِنَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ الشَّيْخ مُحَمَّدَ بْنَ زَايِدٍ وَنَائِبَهُ الشَّيخ محمد بن راشد وإخوانه حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَأَوْلِيَاءَ عُهُوْدِهِم، وَوَلِيَّ عَهْدِ دبي الشَّيخ حمدان بن محمد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ.
اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيخ زَايِد والشَّيخ راشد، وَالْقَادَةَ الْمُؤَسِّسِينَ، وَالشَّيخ مَكْتُوم، والشَّيخ خَلِيفَة بْن زَايِد، والشَّيخ حمدان وَشُيُوخَ الْإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وأدخلهم بفضلك فسيح جناتك. وَارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وَضَاعِفْ أَجْرَهُمْ، وَارْفَعْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَتَهُمْ، وَشَفِّعْهُمْ فِي أَهْلِهِمْ.
اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ: الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتَ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.
([1]) الشعراء: 131 - 132.
([2]) الترمذي: 3558.
([3]) ابن ماجه: 4216.
([4]) الترمذي: 3407، والنسائي: 1304.
([5]) الشعراء: 88 - 89.
([6]) روضة العقلاء لابن حبان (ص: 17).
([7]) أبو داود: 5090.
([8]) الأحزاب: 56.