إن الحسنان يذهبن السيئات

Jumuah, 10 Sha'ban 1444 AH
03/03/2023
+ -

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَثَّنَا عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَوَعَدَنَا عَلَيْهَا بِالْجَنَّاتِ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَلَائِكَتِكَ، وَكُتُبِكَ وَرُسُلِكَ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، رَضِينَا بِكَ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ. أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: (قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ)([1]).

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى اللله عليه وسلم رَجُلٌ أَصَابَ ذَنْبًا، فَذَكَرَهُ لَهُ، فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)([2]). فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: «بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً»([3]). فَمَا أَعْظَمَ رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ؛ يَغْفِرُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ، وَيَمْحُو عَنْهُمْ زَلَّاتِهِمْ؛ إِذَا عَمِلُوا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللله عليه وسلم الْقَائِلِ: «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا»([4]).

فَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِ الْحَسَنَاتِ؛ مَحَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكَرَمِهِ سَيِّئَاتِهِ الْمَاضِيَةَ؛ وَأَبْدَلَهَا حَسَنَاتٍ فِي صَحِيفَتِهِ الْبَاقِيَةِ([5])، فَقَدْ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ «يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؛ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ... فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً»([6]). قَالَ الْعُلَمَاءُ: ‌إِنَّمَا ‌التَّبْدِيلُ ‌فِي ‌حَقِّ مَنْ نَدِمَ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، وَجَعَلَهَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ، فَكُلَّمَا ذَكَرَهَا؛ ازْدَادَ وَجَلًا وَحَيَاءً مِنَ اللَّهِ، وَمُسَارَعَةً إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ([7])، (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)([8]).

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ جَعَلَ الصَّلَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ، وَالصِّيَامَ وَصِلَةَ الْأَرْحَامِ؛ وَكُلَّ الطَّاعَاتِ؛ تُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ، وَأَعْظَمُهَا ذِكْرُ اللَّهِ، وَالْإِنْصَاتُ إِلَى الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَحُضُورُ مَجَالِسِ الْعِلْمِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللله عليه وسلم : «مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَهُ، إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ»([9]). فَاللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِعَمَلِ الْحَسَنَاتِ، وَارْزُقْنَا الْجَنَّاتِ، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِطَاعَتِكَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ صلى اللله عليه وسلم ، وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَواتِ، يُضَاعِفُ لِعِبَادِهِ الْحَسَنَاتِ، وَيَرْفَعُ لَهُمُ الدَّرَجَاتِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنِ اغْتِنَامِ الْأَوْقَاتِ فِي الْحَسَنَاتِ؛ اسْتِثْمَارَ مَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ، وَهَا نَحْنُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، وَهُوَ مِنَ الشُّهُورِ الَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا النَّفَحَاتُ الرَّبَّانِيَّةُ، فَفِيهِ تُرْفَعُ أَعْمَالُ الْعَامِ كُلِّهِ، لِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللله عليه وسلم يُكْثِرُ مِنَ الصِّيَامِ، وَهُوَ مِنْ أَعَظَمِ الْحَسَنَاتِ، الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا السَّيِّئَاتِ، فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهُمَا قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِى وَأَنَا صَائِمٌ»([10]). وَمما يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ السَّيِّئَاتِ، وَيَكْتُبُ بِهِ الْحَسَنَاتِ الْعَفْوُ عَنِ الْأَخْطَاءِ وَالزَّلَّاتِ، فَمَنْ حَافَظَ عَلَى نَقَاءِ قَلْبِهِ، وَصَفَاءِ نَفْسِهِ، وَسَلَامَةِ صَدْرِهِ، وَعَفَا عَنْ غَيْرِهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ‌أَلَا ‌تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)([11]).

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، كَمَا أَمَرَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([12]). اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ لِدَوْلَةِ الْإِمَارَاتِ أَمَانَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَأَدِمْ رَخَاءَهَا وَازْدِهَارَهَا، وَبَارِكْ فِي خَيْرَاتِهَا، وَاحْرُسْهَا بِرِعَايَتِكَ، وَاشْمَلْهَا بِعِنَايَتِكَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ الشَّيْخ مُحَمَّدَ بْنَ زَايِدٍ وَنَائِبَهُ الشَّيخ محمد بن ‏راشد وإخوانه حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَأَوْلِيَاءَ ‏عُهُوْدِهِم، وَوَلِيَّ عَهْدِ دبي الشَّيخ حمدان بن محمد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ.

اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيخ زَايِد والشَّيخ راشد، وَالْقَادَةَ الْمُؤَسِّسِينَ، وَالشَّيخ مَكْتُوم، والشَّيخ خَلِيفَة ابْن زَايِد، والشَّيخ حمدان ‏وَشُيُوخَ الْإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وأدخلهم بفضلك فسيح ‏جناتك. وَارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وَضَاعِفْ أَجْرَهُمْ، وَارْفَعْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَتَهُمْ، وَشَفِّعْهُمْ فِي أَهْلِهِمْ. اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ: الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتَ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.

تنبيه

أُسْبُوعِ الْمُرُورِ الْخَلِيجِيِّ

يلقى عقب صلاة الجمعة 3/3/2023

أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: بِمُنَاسَبَةِ أُسْبُوعِ الْمُرُورِ الْخَلِيجِيِّ؛ تُطْلِقُ وِزَارَةُ الدَّاخِلِيَّةِ حَمْلَةً تَحْتَ شِعَارِ (حَيَاتُكَ أَمَانَةٌ) بِهَدَفِ نَشْرِ التَّوْعِيَةِ الْمُرُورِيَّةِ، مِنْ تَطْبِيقٍ لِقَوَانِينِ السَّيْرِ، وَالِالْتِزَامِ بِحِزَامِ الْأَمَانِ، وَعَدَمِ اسْتِخْدَامِ الْهَوَاتِفِ الْمُتَحَرِّكَةِ أَثْنَاءَ الْقِيَادَةِ، وَالتَّقَيُّدِ بِالسُّرُعَاتِ الْمُحَدَّدَةِ، وَالْإِشَارَاتِ الْمُرُورِيَّةِ. وصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.


([1]) الزمر: 10.

([2]) هود: 114.

([3]) متفق عليه.

([4]) الترمذي: 1987، وأحمد: 21354.

([5]) تفسير ابن كثير: (6/ 126).

([6]) مسلم: 190.

([7]) جامع العلوم والحكم (1/300).

([8]) الفرقان: 70.

([9]) أحمد :12453.

([10]) النسائي: 2357.

([11]) النور: 22.

([12]) الأحزاب: 56.    


تحميل
مقياس السعادة