الحفاظ على نعم في الأرض

Jumuah, 27 Jumadal Akhira 1444 AH
20/01/2023
+ -

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)([1]). وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)([2]).

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْأَرْضَ أَمَانَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَمَسْؤُولِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَعْمُرَهَا، وَنُشَيِّدَ بُنْيَانَهَا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)([3]). فَمِنْ وَاجِبِنَا نَحْوَ هَذِهِ الْأَرْضِ؛ أَنْ نَعْتَنِيَ بِهَا، وَنُحْسِنَ رِعَايَتَهَا، وَنَبْذُلَ جُهْدَنَا فِي اسْتِثْمَارِ خَيْرَاتِهَا، وَتَنْمِيَةِ ثَرَوَاتِهَا، قَالَ تَعَالَى: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ* فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ)([4]). وَنَهَانَا سُبْحَانَهُ عَنِ اسْتِنْزَافِ مُقَدَّرَاتِ الْأَرْضِ أَوْ تَبْدِيدِهَا، أَوْ هَدْرِ مَوَارِدِهَا.

فَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)([5]). وَحَرَّمَ عَزَّ وَجَلَّ التَّبْذِيرَ وَالإسْرَافَ؛ فَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)([6]).

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ وَاجِبِنَا تُجَاهَ الْأَرْضِ أَنْ نَعْمَلَ عَلَى حِمَايَةِ مَوَارِدِهَا، وَحُسْنِ اسْتِخْدَامِ مُكَوِّنَاتِهَا، فَقَدْ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَرْشِيدِ اسْتِهْلَاكِ الْمَاءِ وَعَدَمِ الْإِسْرَافِ فِيهِ مَهْمَا كَثُرَ، وَلَوْ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ، فَالْمَاءُ سَبَبُ الْحَيَاةِ وَسِرُّ وُجُودِهَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)([7])، وَمِنْ مَسْؤُولِيَّتِنَا الْحِفَاظُ عَلَى الْهَوَاءِ نَقِيًّا؛ بِالاِبْتِعَادِ عَنْ كُلِّ مَا يُلَوِّثُهُ مِنِ انْبِعَاثَاتٍ حَرَارِيَّةٍ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ دَعَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْعِنَايَةِ بِالثَّرْوَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّبَاتِيَّةِ فَقَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيْمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ»([8]). فَعَلَيْنَا أَنْ نَقْدُرَ نِعَمَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ حَقَّ قَدْرِهَا، وَنَتَعَاوَنَ عَلَى اسْتِدَامَةِ خَيْرَاتِهَا، وَاسْتِثْمَارِ مُقَدَّرَاتِهَا، اسْتِشْرَافًا لِمُسْتَقْبَلِ الْبَشَرِيَّةِ، وَحِمَايَةً لحُقُوقِ الْأَجْيَالِ الْآتِيَةِ. فَاللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي خَيْرَاتِ الْأَرْضِ، وَاجْعَلْنَا فِي الْحِفَاظِ عَلَيْهَا مُسْتَمِرِّينَ، وَعَلَى تَطْوِيرِهَا مُتَعَاوِنِينَ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.



الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَأَنْبَتَ فِيهَا جَنَّاتٍ أَلْفَافًا، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقُدْرَتِهِ، وَهَيَّأَهَا بِحِكْمَتِهِ؛ أَوْدَعَ فِيهَا لِلنَّاسِ مَا تَسْتَقِيمُ بِهِ حَيَاتُهُمْ، وَتَهْنَأُ بِهِ مَعِيشَتُهُمْ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ)([9]). وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ مُسَخَّرًا لِخِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَرَاحَتِهِ، وَتَحْقِيقِ سَعَادَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي ‌الْأَرْضِ ‌جَمِيعًا)([10]). كُلٌّ بِمِيزَانِ الْحِكْمَةِ، وَعَلَى قَدْرِ الْمَنْفَعَةِ، بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ([11])، قَالَ رَبُّنَا الرَّحْمَنُ: (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)([12]). فَعَلَيْنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى هَذَا التَّوَازُنِ الرَّبَّانِيِّ، الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ، فَهِيَ مَهْدٌ لِلْإِنْسَانِيَّةِ، وَمَوْطِنٌ لِلْبَشَرِيَّةِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)([13]).

هَذَا وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ لِدَوْلَةِ الْإِمَارَاتِ أَمَانَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَأَدِمْ رَخَاءَهَا وَازْدِهَارَهَا، وَبَارِكْ فِي خَيْرَاتِهَا، وَاحْرُسْهَا بِرِعَايَتِكَ، وَاشْمَلْهَا بِعِنَايَتِكَ، وَسَائِرِ بِلَادِ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ الشَّيْخ مُحَمَّدَ بْنَ زَايِدٍ وَنَائِبَهُ الشَّيخ محمد بن ‏راشد وإخوانه حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَأَوْلِيَاءَ ‏عُهُوْدِهِم، وَوَلِيَّ عَهْدِ دبي الشَّيخ حمدان بن محمد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ.

اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيخ زَايِد والشَّيخ راشد، وَالْقَادَةَ الْمُؤَسِّسِينَ، وَالشَّيخ مَكْتُوم، والشَّيخ خَلِيفَة بْن زَايِد، والشَّيخ حمدان ‏وَشُيُوخَ الْإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وأدخلهم بفضلك فسيح ‏جناتك. وَارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وَضَاعِفْ أَجْرَهُمْ، وَارْفَعْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَتَهُمْ، وَشَفِّعْهُمْ فِي أَهْلِهِمْ. اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ: الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتَ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.

عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.


([1]) سبأ: 1.

([2]) يونس: 6.

([3]) هود: 61.

([4]) الرحمن: 10- 11.

([5]) الأعراف: 85.

([6]) الأنعام: 141.

([7]) الأنبياء: 30.

([8]) متفق عليه.

([9]) الأعراف: 10.

([10]) البقرة: 29.

([11]) تفسير النسفي: 2/136.

([12]) الحجر: 19.

([13]) البقرة: 36.

تحميل
مقياس السعادة